من مقولة "الدين أفيون الشعوب" إلى حقيقة "الدين خلاص الشعوب"
هل استخلص الغرب والمسلمون الدروس في زمن العولمة؟
هل أصبحت مقولة أبي الاشتراكية كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب" في خبر كان، بعد ما أصبح عصر ما يُسمى بالعولمة ينطق بلسان فصيح، بأنّ الإنسان "العولمي" يعود شيئا فشيئا إلى الدين باعتباره الملجأ الآمن، ولا أدلّ على سيطرة هذه الرؤى المحافظة من غلبة التيارات السياسية التي تستعمل الخطابات الدينية، وعودتها بقوة إلى واجهة الأحداث، خاصة في المنطقة الشرق أوسطية. من هنا جاء تنظيم ملتقى دولي علمي برعاية جامعة الجزائر 1، وجامعة طهران حول موضوع "الدين والعولمة". الشروق حاورت أكاديميين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين حول هذا الموضوع، وحول معنى العولمة ومستقبل الدين.
محمد رضا إمام عميد كلية الإلهيات بجامعة طهران بإيران
الغرب وازدواجية الخطاب: حديث عن العولمة وعمل على تفتيت الشعوب
بداية ما معنى العولمة، وكيف تنظر إليها من ناحية خصائصها وحدودها باعتبارك باحثا وأكاديميا ينتمي إلى الثقافة الإسلامية؟
العولمة عندنا لا تختلف عمّا يفهمه الآخرون (هنا يقصد الغرب بكلمته الآخرون).
قلت في مداخلتك أمام الحضور في هذا الملتقى بأنّ الإسلام ليس دين حرب وعداء..، لكنّ الغرب كثيرا ما عامل الإسلام والمسلمين بعكس الفكرة التي ذهبت إليها؟
صحيح ما تقول، فلو عدنا إلى الحروب التي عرفها صدر الإسلام الأول، لوجدنا أنها جاءت من المشركين الجهلاء الذين جاءوا إلى المدينة. ولم يذهب الإسلام إلى مكة لمحاربة المشركين. وعندما نقول الإسلام دين سلم وسلام، ليس معنى هذا أن لا يدافع المسلمون عن أعراضهم وأموالهم عندما يتعرضون للظلم.
العولمة تحمل في بعض تعريفاتها معنى "العالم الذي تسقط الحدود بين مكوناته"، لكن الغرب الذي لم يدّخر جهدا لتبشيرنا بهذه العولمة، يعمل من جهة أخرى جاهدا على تفتيت بعض أجزاء العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط، مستعملا سياسة استعمارية وهي "فرق تسُد"؟
أحسنت. هم يقولون عولمة، لكنهم قسموا وفتتوا الدول أكثر مما كانت عليه، ونحن في الإسلام نقول لا حدود بين البشرية، لأن الناس سواسية كأسنان المشط. وهناك آيات كثيرة في هذا المعنى. وهذه الفواصل مصطنعة بفعل البشر، ولم يصنعها الله عز وجل.
كيف تنظر كأكاديمي إلى ما أُطلق عليه مسمى "الربيع العربي"؟
الشعوب العربية فهمت أنّ قسما من الحكام العرب يتظاهرون بأنّهم شعبويون، ولكن تصرفاتهم تخالف هذا، فهم يبدّدون قدرات بلدانهم، ولذلك فالناس يثورون، لأنه صار لديهم قدرة على مواجهة اتجاهات هؤلاء الحكام المنحرفة عن القيم الصحية للإسلام والوطنية.
إليزابيت شاكمان هارد أستاذة بمعهد وينبارغ للفنون والعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية
الأمريكيون اقتنعوا بأنّهم ليسوا اللاعب الوحيد في زمن العولمة
ما معنى مصطلح "العولمة" من وجهة نظرك كأكاديمية أمريكية؟
هناك عدة تعريفات للعولمة يمكن أن تأخذ أبعادا اقتصادية، ثقافية، اجتماعية أو سياسية. وهذه الأبعاد تستند إلى عدد من المتغيرات، والأمريكيون الآن واعون بفكرة الإطلاع، بل بضرورة الإطلاع على أفكار الآخرين، ومن هذا المنطلق فهم على قناعة تامة بأنّ الولايات المتحدة لن تكون المتحكم الوحيد في زمام الشؤون الدولية في ظل هذا العالم "القرية"، وفي ظل المتغيرات الدولية المتسارعة.
لكن السياسات الأمريكية المطبقة في مناطق مختلفة من العالم، وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط تقول بعكس ذلك. فهذه السياسات تتحدث بلسان صريح لا تخفى مدلولاته على أحد بأنها تسعى إلى مزيد من الهيمنة والسيطرة على مقدرات هذه الشعوب، من أجل الحفاظ على تفوق دائم لـ"الإمبراطورية الأمريكية"؟
هذا معقّد. والأمريكان أنفسهم يختلفون بين بعضهم البعض حول بعض السياسات الأمريكية. والذي حصل بعد تجربة التدخل الأمريكي في أفغانستان من خلال الحرب المباشرة، استخلص الأمريكيون درسا مفاده أنّ ليس هذا ما كان يجب فعله. والآن ترسّخت لديهم قناعات، وأنا هنا أحكي معك بصفتي أكاديمية ولست سياسية، بضرورة المراهنة على الحلول السياسية، والابتعاد قدر الإمكان عن الحلول التي يُستعمل فيها العنف ولغة السلاح.