توديع عام واستقبال عام

خاص بيت القيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إخواني الكرام ها نحن نعيش أواخر أيام آخر شهر في هذا العام لنودعه ونستقبل عاما جديد، ومن قبله ودعنا مواسم عظيمة أحببناها لما فيها من الخيرات والبركات، ودعنا رمضان أفضل الشهور وفيه ليلة القدر أفضل ليالي العام لتزل القرآن فيها، ثم ودعنا أيام عشر ذي الحجة وفيه يوم عرفة أفضل أيام السنة ،وهكذا نودع العام بكل ما فيه من أفراح وأتراح وحسنات وسيئات ربح فيه من ربح بطاعة الله عز وجل وخسر فيه من خسر بمعصية الله.
وهكذا تنقضي الأيام والأعمار فكم ودعنا فيه من أناس من الأقارب والأباعد ممن أحببناهم وكان لهم المكانة الغالية في قلوبنا تبادلنا معهم الكلام والابتسامات والمحبة والإخاء والألفة والمحبة ثم ودعونا وتركونا ليعيشوا حياة أخرى ومرحلة جديدة وكما ودعناهم سيِأتي اليوم الذي نُودع فيه ، ولكن هل تأملنا إلى هذا المصير.
واعلم أخي الكريم أننا لا نودع مجرد أيام وليالي فقط وإنما نودع جزءا من أعمارنا وحياتنا يقول حسن البصري عليه رحمة الله تعالى: " يا ابن آدم أنما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك" إذا فالأمر خطير ولا بد من وقفة محاسبة فالوقت هو الحياة والوقت أغلى ما يملكه المسلم وهو رأس ماله وقد يستطيع المرء أن يعوض خسارة المال وغيرها أما الوقت فمستحيل أن يستعيده، يقول الحسن البصري عليه رحمة الله أيضا :"ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإنك لا تلقاني إلى يوم القيامة".
فعلينا أن نستغل جميع لحظاتنا وسكناتنا فيما يقربنا إلى الله وجل ولا نغتر بهذه الدنيا فإنها حقيره لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وهي زائلة منتهية فهذا رجل من الأثرياء بنى قصرا ضخما جميلا فأعجبه فدعا أحد أصدقائه وقال له تأمل فيه وانظر هل بنى أحد من الناس مثل ما بنيت، فنظر فيه وقال جميل ولكن فيه عيبين الأول أنه يخرب والثاني صاحبه سيموت، ليبين لهذا الرجل حقيقة غفل عنها ويغفل عنها كثير من الناس، وهذا نوح عليه السلام والذي كان من المعمرين حيث مكث يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهذا عمر الدعوة فقط غير عمره قبلها وبعدها ومع هذا العمر الطويل إلا أنه أجاب عندما سئل عن الدنيا وكيف رآها فقال كدار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من الآخر.
ومع هذا كله والله إننا لنعجب ممن يجعل هذا الدنيا همه وهو يعلم عنها هذه الحقائق فعلينا أن ننتبه ولا نغتر و نلهو بها ونغفل عن المقصد الحقيق الذي وجدنا من أجله قال تعالى {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }مريم39]{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ }[الأنبياء1-3].
إذا فما الواجب علينا لكي نفوز ونستحق الفلاح رضا الله عز وجل:
علينا أن نحاسب أنفسنا عما مضى وكيف كان حالنا في هذا العام المنصرم يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر على الله{يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } فيجلس كل إنسان مع نفسه جلسة محاسبة وينظر أعماله فإن كانت طيبة فيستمر عليها ويزيد منها، إذ أنها حقيقة الشكر حيث وفقه الله تعالى لها وجزاء الشكر الإكثار منها، أما إذا كان مقصرا فعليه أن يتوب ويرجع إلى الله ويكثر من الاستغفار ويحقق شروط التوبة ويعزم على أن يبدأ هذا العام بداية طيبة يكثر فيها من الخيرات ويبتعد عن المعاصي ، وليكن شعارنا جميعاً العام المقبل أفضل من المنصرم.
وحتى يكون كلامنا عملي نقف عند بعض الوسائل العملية والتي تعيننا على الثبات على الطاعة والإكثار منها وهي:
أولا: الإخلاص لله في جميع أعمالنا فهو سر ثبات المرء على الطاعة يقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر "إنما يتعثر من لم يخلص".
ثانيا: الإقبال على كلام الله عز وجل قراءة وتدبرا وعملا فنجمع بين القول والعمل قال تعالى:{كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}
ثالثا: قراءة قصص الأنبياء والصالحين للتأسي والاقتداء بهم قال تعالى:{ وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاء في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين}.
رابعا : الالتزام بهدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسا: اللجوء إلى الله عز وجل وكثرة الدعاء بأن يثبتنا على الحق ويحبب إلينا فعل الطاعات ويكره إلينا فعل المعاصي ، ونكثر من هذه الأدعية " اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك" ، " اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين" وغيرها من الأدعية.
خامساً: اختيار الرفقة الصالحة الصادقة التي تعين على الخير وتبعد عن المعاصي.

الموضوع الأصلي: توديع عام واستقبال عام || الكاتب: باغي الخير || المصدر: شبكة ينابيع تربوية ( المنتديات ) توديع عام واستقبال عام Yana3785