بعد أن أصبح فوق رأس كل مواطن جزائري هوائي مقعر
الأنترنت ستزيح 20 مليون "بارابول" بعد ثلاث سنوات
وزارة البريد: لا قانون في الأفق لسحب الهوائيات المقعرة
تشوه الهوائيات المقعرة كل المدن الجزائرية والأحياء، فلم تترك لتناسق أو لجمال المعمار أثرا وأصبحت أوجه العمارات وأسطح البنايات لا يظهر منها سوى أقراص معدنية بيضاء بكل الأحجام وفي كل الاتجاهات تحجب الرؤية وتبدو من بعيد على أنها صحون طائرة لغزو فضائي.
فالجزائريون أثبتوا شغفهم وتعلقهم غير الطبيعي واللامحدود "بالبرابول"، فبعد أن كانوا يشاهدون عبر الهوائي المقعر المشترك 20 قناة أصبحوا يقضون وقتهم يتجولون عبر جهاز التحكم صعودا ونزولا بين 1000 و1500 قناة فضائية تحمل كل الأسماء وتروج لكل الأفكار والثقافات والأديان إلى غاية ساعات متأخرة من الليل دون أن يستمتعوا بمشاهدة "أي شيئ"، فقد صنفت الجزائر على أنها البلد الأكثر استعمالا للبارابول في العالم بعدد يفوق الـ20 مليون هوائي مقعر بحسب آخر الأرقام الإحصائية وهو عدد يفوق نصف تعداد سكان الجزائر بمعدل "هوائيين لكل ثلاثة أشخاص".
وباعتبار أن عدد الوحدات السكنية الموجودة في الجزائر تقدر بـ6 ملايين و500 ألف وحدة سكنية حسب آخر معلومات وزارة السكن، بما فيها القصدير والأكواخ والأحياء الفوضوية والسكنات الهشة، فإن معدل الهوائيات المقعرة فوق كل سقف يتراوح بين اثنين وثلاثة "صحون"، إضافة إلى الاستثناءات غير المعقولة لشرفات منازل يفوق عدد الهوائيات المقعرة المغروسة فيها بين خمسة وسبعة صحون وهو ما يجعل العمارات كلها متشابهة في الفوضى التي قضت نهائيا على تعب وأفكار الهندسة المعمارية.
أما الأحياء القصديرية المشكلة لأحزمة الفقر في ضواحي الحراش ووادي السمار والممتدة على مساحة بالهكتارات تحتضن الأكواخ، فتبدو كلها بيضاء بالأقراص المعدنية البيضاء التي غطت جدران الطين وأسطح القصدير فنجد فوق كل كوخ ثلاثة هوائيات مقعرة.
ويتأسف ممثل هيئة المهندسين المعماريين عبد الحميد بوداود عن الوضع الذي آلت إليه العمارة والهندسة وواجهة المدن والأحياء التي شوهتها الهوائيات المقعرة بشكل تام وقضت على الطبعة الفنية والتناسق العمراني في ظل ما أسماه غياب الدولة من جهة، وعدم تمتع الجزائريين بروح المجتمع والمواطنة من جهة أخرى، فكل شخص يريد الانفراد بهوائي مقعر لنفسه ويشاهد ما لا يشاهده الآخرون ويجمع مئات القنوات الفضائية ويتجول بينها بشكل هستيري، فأحيانا تعرقل الهوائيات المقعرة المرور عبر أسطح العمارات لإتمام أعمال الصيانة.
وبالإضافة إلى التشوه العمراني تستنزف ملايين الهوائيات نسبة كبيرة من الطاقة الكهربائية، لان الجزائريين لا يطفئون أجهزة الاستقبال "الديمو" طيلة 24 ساعة من اليوم، فحتى وأن نسبة استهلاك الطاقة بسيطة لكل جهاز كما هو شائع لدى الناس، فإن 20 مليون جهاز رقم غير بسيط، من جهة أخرى فإن لواحق تثبيت الهوائيات من الأعمدة المعدنية تستهلك 200 ألف طن من الحديد.
أما اجتماعيا يحدث "البرابول" وآلاف القنوات الفضائية في أغلب الأوقات فتنة وشجارات غير منتهية بين أفراد الأسرة، نظرا لاختلاف الأذواق والاهتمامات وهو ما يلجأ بسببه رب الأسرة إلى اقتناء أكبر عدد من أجهزة التلفزيون لتلبية رغبة كل فرد، فالأم تتابع عشرة مسلسلات عربية وتركية مدبلجة وأحيانا تلجأ إلى تدوين أسماء القنوات وأوقات المسلسلات في ورقة حتى تتذكرها ولا تفوتها، فأحيانا لا تتذكر في أي قناة تتابع مسلسلها وهو ما يحدث عادة في شهر رمضان مع الكم اللامتناهي للدراما العربية، أما البنات فيتجولن بين الحصص الصاخبة للمسابقات الغنائية والفنية والمنوعات، أما الأبناء فمدمنون على أفلام الأكشن والرعب والحصص الرياضية.
لا قانون، لا إجراءات ولا ردع... بل 3 ملايير دولار لسحب "البارابول"
تعددت تصريحات المسؤولين حول إيجاد حل مناسب لـ"تنظيف" الجزائر من "الصحون الطائرة البيضاء" وسحب ملايين الهوائيات المقعرة نهائيا من واجهات المساكن، ففي البداية كلفت الأميار بالمهمة ثم تراجعت الحكومة عن إجبار المواطنين التخلي عن البارابول عن طريق مشروع قانون وأعلنت عن إنشاء لجان مختصة على مستوى وزارة الداخلية للتكفل بمهمة نزع الهوائيات، لكن لم يستطع أحد أن يجبر المواطنين على الالتزام بنظام واحد أو العودة لزمن الهوائي المشترك أو تخصيص أسطح العمارات فقط لتثبيت "الهوائي" وإيصاله إلى المنازل بواسطة الكوابل بشكل نظيف وحضاري ولا يشوه منظر العمارة، كل هذه المبادرات لم تاكل" مع الجزائريين الذين يصرّون على تثبيت الهوائيات بصورة عشوائية في كل الزوايا ونحو كل الأقمار المعروفة وغير المعروفة وجذب كل القنوات بكل لغات العالم. وتبيّن أن سحب 20 مليون "بارابول" من الجزائر لا يتم ألا بمشروع تكنولوجي يبقي على هذا الكم الهائل من القنوات في شاشات الجزائريين وذلك عن طريق ما تطلق عليه وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام بـ"نظام تكنولوجيا الاستعمال الثلاثي للصورة والصوت والانترنت" وهي تكنولوجيا معقدة خصصت لها الدولة إعانة مالية تقدر بـ3 ملايير دولار تدخل في المخطط الخماسي الذي يكرس عصرنة المنشآت القاعدية السلكية واللاسلكية،
هذا النظام يشمل التفكير التكنولوجي بالانتقال من النمط القديم الذي يعتمد على النحاس "الكوابل" إلى تكنولوجيا الـ"أم سان" التي تسمح بالتدفق العالي والأكثر سرعة للانترنت،هذا النمط الجديد بحسب ما صرح به للشروق مدير الإعلام بالوزارة السيد مزيان زهير، يسمح باستعمال الهاتف والصورة والانترنت وهو ما بدأ تجسيده في ست ولايات، كالجزائر العاصمة، وهران، عنابة، قسنطينة، المدية وسطيف، وستكون فضائل التكنولوجيا بحسب تقديرات واستراتيجية الوزارة تدفق المعلومات وجودتها وأمنها من التلاعب والقرصنة لتحقيق المجتمع المعلوماتي وبالتالي الخروج من الفجوة الرقمية، على حد قوله. وفي حال تحقيق هذه التكنولوجيا، لن يعود المواطن الجزائري بحاجة إلى "باربول"، فأنترنت عالية وسريعة التدفق مع تكنولوجيا الصورة والصوت ستعوض الـ20 مليون هوائي مقعر في الجزائر ويجد المواطن نفسه يتخلى تدريجيا عن التكنولوجيا القديمة في مشاهدة آلاف القنوات التلفزيونية وبجودة عالية للصورة والصوت وهو ما سيتحقق حسب وزارة البريد في آفاق 2014.